بقلم: نور الدين الفزاري
غريب امرك يا وطني، غريب امرك شعبي، كثيرا ما يكون فضولك شجاعا وخروجك شجاعا وصراخك شجاعا بقدر ما حمل من الالم ، بل وحتى انينك يكون شجاعا في اصعب اللحظات، غريب امرك وانت تهتف خلف كل الاحداث كيفما كان وقعها، كيفما كان الجلاد وكيفما كانت الضحية، صراخك وان كان احيانا جائرا الا ان له ما يبره ويجعله بريئا، دافعه التعبير عن خوالجك وآلامك وان كان بمجرد الصراخ .
لكن صراخك الاخير، عن سعد وعن محسن كان عاليا ، وحجب عنك انين طفلة صغيرة، هناك في سهول الصحراء حيث تلاعبت مياه وادي غادر كالريشة وسط الرياح العاتية والاتية من كل صوب مكان، حجب عنك سماع اصوات عزلها الوادي الذي تغنت به ل 41 سنة، وهتفت به وحملت اسمه ونسبه حتى صار زغرودة على كل لسان يغني “الواد وادي يا سيدي ….” .
لكن الوادي لم يتعرف على “اشوان” ذي الاربعة ربيعا، شاء القدر ان يكون لاسم مولدها دلالة رحيلها، ارتبطت بالوادي اسما ف “اشوان” دليلة الخليج الصغير، ارتبطت به فكان مسقطها، وعانقته بعد ان حضنها فكان مودعها الاخير، بينما كانت تنتظر الجديد من يومها.. تنتظر اللحظة القادمة والمفاجأة الآتية، كالفجر الباسم وكالنسمة الباردة بقلب ملؤه الحب وروح ملؤها الود، ودعتنا الوداع الأخير بنظرات أسقطتها على أعيننا، على اجسادنا، علمت انها ستودعنا بدون سابق انذار فاختارت ثغر الوادي الذي لم يعرف انها كانت ستنشد باسمه بعد اسبوع من هيجانه، لم يعرف انها مستقبله وراعيته بعد عقد او اكثر، لم يعرف ان صوتها الرنان كان سينضاف لكل من يتغنى بالوادي، .
خطف الوادي اللعين من احضاننا “اشوان” ومعها حمل معه السالكة وفالة وسيد أحمد واخرين ممن رحلوا غفلة دون وداع…دون جوقة …دون مراسيم…ودون انذار، ….رحلوا في صمت ولم تشملهم صراخات سعد ومحسن، ودونت اسماءهم بخانة “لا مراد لقضاء الله”، رحلت اشوان وهي لم تستجمع بعد حصتها من ذكريات هذا الوطن، رحلت وفي عمق أعماقها سعادة لم تكتمل بالغناء للوادي .
وداعا “اشوان” وبرحيلك لن نغني هذا العام للوادي، الذي صار يحمل ذكراك، والبسته نغم البكاء في التغني، ووجهك الجميل سينير ظلمة الوادي بشعاع الأمل…. فلترقد روحك بسلام يا زهرة الصحراء… وعرس الذكرى سيكون هناك معك في السماء حيث ستلتقين بمن احبوا الوادي ودعسوا على الاشواك في ضفافه وحرروه من كل القيود حتى يصير له الحق في الهيجان…وارقدي بسلام الملائكة، نودعك اليوم ،ومعك اسماء اخرى، بحزن مرير ودموع لم نشأ يوماً أن نزرفها عند رحيلك الذي اعتقدناه مؤجلاً إلى حين…
0 التعليقات:
إرسال تعليق